في صعيد مصر، حيث تتنفس الأرض تاريخًا وإيمانًا، وتنبض القلوب بالوفاء، يحتفل أبناء إيبارشية البلينا وتوابعها بحدث جلل، وذكرى خالدة، هي اليوبيل الذهبي لرسامة أسد الصعيد نيافة الأنبا ويصا، مطران البلينا وتوابعها، أحد أعمدة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، وأحد أبرز الشخصيات التي أثرت في الحياة الكنسية والمجتمعية على حد سواء
نشأته وبداياته الروحية
ولد نيافة الأنبا ويصا في 16 يوليو 1939 بمدينة طنطا بمحافظة الغربية، وكان اسمه بالميلاد بطرس يوسف تكلا. نشأ في أسرة أحبّت الكنيسة وتربى على يد والدته التي كانت له قدوة في الصلاة وقراءة الكتاب المقدس.
وفي سن السابعة، نال رتبة “أغنسطس” على يد نيافة الأنبا ثاؤفيلس، أسقف دير السريان الراحل. خدم في مدارس التربية الكنسية بروض الفرج وشبرا منذ سن السابعة عشر، حيث قام بتدريس فصل متكامل استمر معه حتى الشباب، فكان مربياً ومعداً للخدام.
في عام 1959 رُقي إلى رتبة “إيبودياكون”، ثم حصل على بكالوريوس الزراعة من جامعة القاهرة عام 1962، وانطلقت روحه في محبة الأديرة والرهبنة، فكان يتردد على أديرة وادي النطرون ودير مارمينا ودير الأنبا صموئيل.
▪ الرهبنة والكهنوت والأسقفية
في 10 مارس 1972، ترهب بدير الأنبا بيشوي باسم الراهب أنسيموس الأنبا بيشوي، وسيم كاهنًا عام 1973 باسم الراهب القس مكاريوس الأنبا بيشوي، ثم رُقي إلى رتبة قمص عام 1974.
خدم في فرنسا بتكليف من قداسة البابا شنودة الثالث، حيث أسس مجلة “هلبيس” وكان يحررها بنفسه. وفي 22 يونيو 1975، سُيم أسقفًا على كرسي البلينا وتوابعها في سيامة تاريخية شارك فيها أكثر من 20 مطرانًا وأسقفًا، بجانب قداسة البابا.
▪ المواقف الوطنية والصلابة في الحق
لم يكن نيافة الأنبا ويصا أسقفًا عاديًا، بل كان مثالًا للشجاعة والثبات في الحق. في سبتمبر 1981، اعتُقل ضمن قائمة رجال الدين الذين رفضوا قرارات الرئيس أنور السادات، وتم احتجازه مع الأنبا بيمن في زنزانة واحدة. ورغم مرارة السجن، حولوه إلى دير تقام فيه القداسات والصلوات. وقال نيافته حينها:
“حوّلنا السجن إلى دير تهللت فيه النفوس وخرجنا بقوة أعظم.”
▪ الكشح.. وموقف لا يُنسى
في أحداث الكشح الأليمة، وقف الأنبا ويصا بكل جسارة ضد الظلم، ورفض التسويات العرفية، وصرّح بوضوح: “لقد قتل 20 مسيحياً ولم ينتحروا، ومع ذلك تمت تبرئة القتلة”.
وبادر بتخليد ذكرى الشهداء بتأسيس كنيسة الشهداء بالكشح، ووضع بها رفاتهم، كما أصدر تقويمًا سنويًا يحمل صورهم.
▪ بصمات لا تُمحى
أسس أول كلية إكليريكية في البلينا عام 1976.
أنشأ دير القديسة دميانة للراهبات.
ترأس لجنة الطقوس بالمجمع المقدس.
أسس كاتدرائية مارمرقس بالبلينا، والآن تُبنى كنيسة مارمرقس بالكشح.
نظم مؤتمر العقيدة للخدام من بني سويف إلى أسوان.
عقد حلقات دراسية حضرها الأنبا غريغوريوس.
أعلن وقوفه بجانب قداسة البابا تواضروس الثاني ضد الحملات المغرضة.
▪ ترقية إلى رتبة المطران
في يوم 19 مارس 2006، تمت ترقية نيافته إلى رتبة “مطران” مع نيافة الأنبا هدرا، بيد قداسة البابا شنودة الثالث، تقديراً لعطائه وتاريخه الطويل في الخدمة.
▪ احتفال أحد الشعانين
في مشهد مهيب يجسد الإيمان والبساطة، يدخل الأنبا ويصا الدير في أحد الشعانين راكبًا على حمار، يحيط به أبناء إيبارشيته بسعف النخيل، اقتداءً بدخول المسيح إلى أورشليم، حيث يقول:
“هوذا ملكك يأتيك وديعاً راكباً على أتان”.
● احتفال اليوبيل الذهبي
احتفالات اليوبيل الذهبي هذا العام، ليست مجرد مناسبة كنسية، بل هي لحظة وطنية وروحية، تستدعي التأمل في سيرة راعٍ حقيقي، نذر حياته لخدمة الله والناس
مع مرور خمسين عامًا على رسامة نيافة الأنبا ويصا أسقفا ، هي مناسبة تتجاوز حدود الاحتفال، لتكون لحظة تأمل في رحلة كهنوتية ملهمة، ومسيرة إنسان حمل الصليب بمحبة، وخدم الرعية بإخلاص. وقد أقيمت صلوات وقداسات واحتفاليات بعدد من كنائس الإيبارشية، شارك فيها الآباء الكهنة وأبناء الشعب القبطي، احتفاءً بمسيرة نيافته
● تهنئة خاصة من المفكر الاقتصادي الدكتور ناصر عدلي
وبهذه المناسبة المضيئة، وجّه المفكر الاقتصادي الدكتور ناصر عدلي، رئيس مجلس إدارة موقع المواطنة نيوز، والأمين المساعد لشؤون العضوية بأمانة الجيزة لحزب الشعب الجمهوري، تهنئة خاصة جاء فيها:
“نتوجه بخالص التهاني والتبريكات إلى نيافة الأنبا ويصا، بمناسبة اليوبيل الذهبي لرسامته الرهبانية، شاكرين لنيافته مسيرته الحافلة بالعطاء، وما قدمه من قدوة وطنية وروحية فريدة. نيافته هو رمز للحكمة والتوازن، وقامة وطنية ودينية سامقة، نعتز بها في ربوع مصر.
وندعو الله أن يمنحه العمر المديد، والصحة والعافية، ليواصل رسالته المقدسة في رعاية شعبه، وخدمة الوطن.”
● سيرة تبقى للأجيال
سيرة الأنبا ويصا، ليست مجرد قصة شخصية، بل هي جزء من ذاكرة الكنيسة والوطن. خمسون عامًا من الزهد، والخدمة، والتعليم، والبناء الروحي والمجتمعي، جعلت من نيافته شاهدًا حيًا على عمل الله في الكنيسة.
وفي كل قداس، وكل لقاء رعوي، وكل كلمة روحية منه، يلمس الناس محبة الله ونعمة الكهنوت المتجسد في شخص هذا الراعي الحكيم، الذي اختار أن يكون خادمًا للجميع، يحمل على كتفيه أحلامهم وآلامهم، ويقودهم بثبات على درب الخلاص.
ختامًا..
كل كلمات التقدير لا تفي نيافة الأنبا ويصا حقه، وكل لحظة من خدمته هي شهادة حية على أمانته واستقامته.
ومع الاحتفال باليوبيل الذهبي، تلتف إيبارشية البلينا كلها – إكليروسًا وشعبًا – حول راعيها الأمين، الرجل الذي جمع بين الرهبنة والعلم، بين الحزم والمحبة، بين القيادة والتواضع.خمسون عامًا من الرهبنة، وما يقرب من أربعين عامًا من الأسقفية، يختصرها شعب البلينا في كلمتين: “أبٌ وراعٍ”. ورغم مرور السنين، ما زال الأنبا ويصا يتمتع بحيوية روحية، وحنوّ أبوي، جعله محبوبًا من الجميع، ومثالًا في الرعاية والخدمة.
وفي ذكرى اليوبيل الذهبي، يتجدد الامتنان، وتعلو الصلوات، بأن يحفظ الله نيافته،ويعطيه سنينًا عديدة، وأزمنة سلامية،مملوءة ثمرًا روحيًا وبِرَكة، ليظل نورًا يهدي الأجيال، وعلامة مضيئة في تاريخ الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والوطن.

Oplus_131072

Oplus_131072

Oplus_131072

Oplus_131072