لم تأكل توما منذ أيام. تجلس بصمت، وعيناها زائغتان. تحدّق بلا هدف في أرجاء جناح المستشفى الذي تجلس به.
في أحضانها، ترقد ابنتها مساجد، البالغة من العمر 3 سنوات، بلا حركة، وتعاني من سوء تغذية حاد.
تبدو توما غير مبالية ببكاء الأطفال الصغار الآخرين من حولها. تقول لنا وهي تنظر إلى ابنتها: “أتمنى لو أنها تبكي”.
يُعدّ مستشفى بشائر أحد آخر المستشفيات التي لا تزال تعمل في العاصمة السودانية الخرطوم التي أنهكتها الحرب. وقد سافر كثيرون لساعات طويلة للوصول إليه لتلقي الرعاية الطبية المتخصصة.
يكتظ جناح سوء التغذية بالأطفال الذين أضعفهم المرض، حتى أنهم لم يعودوا قادرين على مقاومته. كما تجلس أمهاتهم إلى جوارهم عاجزات.
لا يمكن تهدئة البكاء هنا. وكل صرخة تمزّق القلب.
اضطرت توما وعائلتها للفرار بعد أن وصلت الاشتباكات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع إلى منزلهم في منطقة جبرة الشيخ، شمال كردفان، الواقعة على بُعد نحو 200 كيلومتر جنوب غرب الخرطوم.
تقول: ” أخذ الدعم السريع كل ما نملك، أموالنا ومواشينا، انتزعوها من بين أيدينا. نجونا فقط بحياتنا”.
وبعد أن نفد المال والطعام، بدأ أطفال توما يعانون.
تبدو مذهولة وهي تتذكّر حياتهم القديمة، وتقول “في الماضي، كان وضعنا جيداً، وكان بيتنا مليئاً بالخير. كنا نربّي الماشية، ونأكل العصيدة، ونشرب الحليب ليلاً ونهاراً، ونأكل التمر باللبن. أما الآن، فلا نملك شيئاً”.