اعتاد القارئ أن يتابع الكاريكاتير على صفحات الجرائد والمجلات، لكن الفنان ثروت مرتضى قرر أن يغيّر القاعدة ويمنح الكاريكاتير حياة جديدة خارج الورق بخطواته الإبداعية أصبح رائدًا لفن الكاريكاتير المجسّم في مصر، حيث تتحول الشخصيات الساخرة إلى مجسّمات ثلاثية الأبعاد تحمل روح الدعابة المصرية بطابع تشكيلي مميز.
في هذا الحوار الخاص، نقترب أكثر من مسيرة ثروت مرتضى، لنتعرف على بداياته، وكيف خاض مغامرته الفريدة في النحت الكاريكاتيري، وأبرز التحديات التي واجهته، ورؤيته لمستقبل هذا الفن في مصر.
حوار مع مبدع……
البداية والإنسان خلف الفنان
س: بدايةً، من هو ثروت مرتضى الإنسان والفنان؟
ج: أنا ثروت مرتضى، فنان كاريكاتير مصري. منذ طفولتي كنت محبًا للرسم، ألاحق الوجوه وتعابيرها وأحاول أعكسها بخطوط سريعة على الورق. ومع الوقت اكتشفت أن الكاريكاتير يجمع بين الفن والضحكة والفكرة. بدأت كرسام تقليدي، لكن بداخلي حلم أكبر: أن يعيش الكاريكاتير بين الناس، لا أن يظل حبيس الورق.
س: متى شعرت أن لديك موهبة مختلفة عن الآخرين؟
ج: من أيام المدرسة، عندما كان المدرسون والزملاء يتفاعلون مع رسوماتي ويضحكون أو يتأملونها. لاحظت أني أستطيع توصيل رسالة من خلال الرسم. ومع دخولي مجال الكاريكاتير الاحترافي، ظهرت الفكرة الأكبر: الكاريكاتير المجسّم، وكانت بالفعل النقلة.

من الورق إلى المجسّم
س: كيف بدأت رحلة التحول من رسام كاريكاتير إلى نحات كاريكاتير مجسم؟
ج: بدأت من سؤال: لماذا تظل الشخصية حبيسة الورق؟ بدأت أجرب بخامات بسيطة مثل الصلصال والفوم، وكانت أول تجاربي مجرد نماذج صغيرة أبهرت الناس، فشجعتني أطور نفسي. ومع كل خطوة شعرت أني أقترب من حلمي.
س: ما الفرق بين الكاريكاتير المرسوم والمجسم؟
ج: الكاريكاتير المرسوم يعتمد على الخطوط والظل، بينما المجسّم يعتمد على الفراغ الحقيقي والشكل من جميع الزوايا. كلاهما يقوم على المبالغة الساخرة، لكن المجسم يجعل المشاهد يتفاعل أكثر لأنه يرى الشخصية أمامه بشكل ملموس.
الشخصيات والأعمال
س: ما أبرز الشخصيات التي جسدتها حتى الآن؟
ج: جسدت رموزًا مثل أم كلثوم وعبد الحليم حافظ، بجانب شخصيات مصرية شعبية من الشارع: بائع، موسيقي، أو حتى شخصيات فكاهية بسيطة. هدفي أن أي شخصية، مشهورة أو عادية، تتحول لعمل يضحك ويبسط الناس.
س: حدثنا عن المواد والخامات التي تستخدمها؟
ج: أستخدم الفوم لخفته وسهولة تشكيله، والصلصال الصناعي للتفاصيل الدقيقة، مع ألوان الأكريليك لإضافة الحيوية. أحيانًا أضيف خامات مثل الأسلاك أو القماش لدعم الفكرة.
التحديات والتميّز
س: هل واجهت صعوبات في تقبل الناس لفكرة الكاريكاتير المجسم؟
ج: بالتأكيد. في البداية كان هناك استغراب: “تمثال ولا لعبة ولا كاريكاتير؟” لكن مع الوقت تقبّل الناس الفكرة وأعجبوا بها. التحدي الأكبر كان أن أثبت أن الكاريكاتير عمل فني، مش مجرد رسمة ساخرة.
س: ما الذي يميز أسلوب ثروت مرتضى عن غيره؟
ج: المزج بين الحس الكوميدي المصري وبين الجدية الفنية في النحت. أسلوبي قائم على المبالغة دون فقدان ملامح الشخصية، مع الحرص أن يصل الفن للشارع والمواطن البسيط، لا يظل حبيس المعارض.
محطات فارقة
س: ما هي أهم أعمالك أو اللحظات الفارقة في مشوارك؟
ج: مجسم “أم كلثوم” كان محطة مهمة جدًا لأنه جمع بين رمز عظيم وحس ساخر خفيف. أيضًا تجسيدي لشخصيات مصرية شعبية لاقى صدى واسع لأنها قريبة من الناس. اللحظة الأبرز كانت أول عرض عام لمجسماتي ورؤية اندهاش الجمهور.

المستقبل والطموحات
س: كيف ترى مستقبل الكاريكاتير المجسم في مصر؟
ج: المستقبل واعد جدًا. نحن شعب نحب الضحك والفن، والكاريكاتير المجسّم يجمع الاثنين. أتوقع انتشاره بشكل أكبر، خصوصًا مع دعم المؤسسات والمعارض.
س: ما هي طموحاتك القادمة؟
ج: حلمي إنشاء متحف أو معرض دائم للكاريكاتير المجسم يكون مدرسة مفتوحة للجمهور. وأطمح أن تصل أعمالي للعالمية، وأن أشارك بمعارض دولية باسم مصر.
س: هل التكنولوجيا مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد قد تغير في عملك؟
ج: التكنولوجيا مفيدة كأداة، خصوصًا الطباعة ثلاثية الأبعاد، لكنها لا تعوّض روح العمل اليدوي. ممكن أستخدمها كمرحلة أولية، لكن الأساس عندي يبقى اللمسة الإنسانية.
س: لو جاءتك فرصة تعاون مع مخرج أو متحف؟
ج: أحب أن تدخل مجسماتي في المسرح كجزء من الديكور أو كشخصيات بصرية ساخرة، وأتمنى أن تخصص المتاحف ركنًا للكاريكاتير المجسّم يوثّق رموز حياتنا اليومية.
س: هل تفكر في تعليم الشباب هذا الفن؟
ج: بالتأكيد. أنقل خبرتي للشباب في ورش عمل لتعليم تقنيات النحت بروح كاريكاتيرية. الفن يعيش بالجيل الجديد.

الجانب الإنساني
س: بعيدًا عن الفن، مين هو ثروت مرتضى الإنسان؟
ج: إنسان بسيط جدًا، بحب عيلتي وأصحابي. عندي ضحكة سريعة واهتمامات عادية، وأتعلم من كل شخصية أقابلها.

س: ماذا تفعل في وقت فراغك؟
ج: أسمع موسيقى قديمة، خصوصًا أم كلثوم وعبد الحليم. أحب القراءة والجلوس في الشارع أو على القهوة لمراقبة الناس، لأن كل وجه مصدر إلهام.

س: هل لديك مواقف طريفة في مشوارك؟
ج: كثيرة! مرة الناس افتكروا مجسم لفنان شهير لعبة للأطفال وتصوروا معه. وطفل ظن أن أحد التماثيل بطل كرتون وسألني لو بيتكلم. لحظات عفوية بتسعدني جدًا.

س: هل لأسرتك دور في دعمك؟
ج: نعم، من البداية دعموني وآمنوا أن ما أفعله فن له قيمة. هم الدافع الأكبر في حياتي.

س: ما أكثر موقف أثر فيك كفنان؟
ج: تعليق شاب صغير على أحد أعمالي: “أنا أول مرة أشوف كاريكاتير ممكن ألمسه.” هذه الجملة لخصت مشروعي كله.

س: أماكنك المفضلة للسفر؟
ج: أحب الإسكندرية وأسوان لروحها الخاصة. وفي القاهرة أعشق التمشي في وسط البلد المليئة بالوجوه والقصص.

رسالة أخيرة
س: ما الرسالة التي تحب أن تتركها للجيل الجديد من الفنانين؟
ج: لا تنتظر أن يفتح لك أحد بابًا… اصنع بابك بنفسك. الفن مش بس تقليد، بل ابتكار لفكرة جديدة حتى لو استغربها الناس. الأهم أن تؤمن بنفسك.
س: كلمة أخيرة للجمهور؟
ج: أتمنى أن كل من يرى أعمالي يبتسم، ويدرك أن الفن رسالة إنسانية قبل أن يكون سخرية. رسالة تقول: “ابتسم… فالحياة تستاهل.”

وختاما
بين الضحكة والفن، بين الخيال والواقع، استطاع ثروت مرتضى أن يمنح الكاريكاتير روحًا جديدة، ليخرج من أسر الورق ويصبح مجسّمًا يلامس الناس ويعيش بينهم. رحلته لم تكن مجرد تجربة شخصية، بل فتح بها بابًا جديدًا في الحركة الفنية المصرية.
يبقى حلمه الأكبر أن يرى الكاريكاتير المجسّم حاضرًا بقوة في المتاحف والمعارض، وأن يصل بهذا الفن إلى العالمية. وبين كل هذه الطموحات، يظل هدفه الأبسط والأجمل: أن يترك ابتسامة صادقة على وجه كل من يشاهد أعماله.
وفي النهاية… يتوجه موقعنا وكل الزملاء بخالص التقدير والتهنئة للفنان ثروت مرتضى على هذا المشوار المميز، متمنين له دوام التألق والإبداع، وأن تظل ابتسامته وإبداعه نورًا يضيء الساحة الفنية المصرية والعربية.