أثارت الأسابيع الأخيرة حالة من الجدل في الأوساط الاقتصادية المصرية، على خلفية النقاش المتصاعد حول واقع مناخ الاستثمار في البلاد ومدى مصداقية الوعود الحكومية بتسهيل الإجراءات على المستثمرين. الجدل بدأ بعد تصريحات لرجل الأعمال المعروف سميح ساويرس، الذي تحدث صراحة عن تحديات وصفها بالمحبطة في تعاملات المستثمرين مع الجهات الرسمية، خاصة فيما يتعلق بتعقيدات النظام الإداري، ما دفع العديد إلى التساؤل حول مدى واقعية بيئة الاستثمار في مصر، وما إذا كانت البيروقراطية لا تزال تشكل عبئاً على المستثمر الوطني، بالرغم من تعهدات الحكومة المتكررة بتهيئة مناخ أكثر سلاسة وجاذبية لرؤوس الأموال.
الحكومة لم تتأخر في الرد، إذ ظهرت تصريحات قوية للفريق كامل الوزير، وزير الصناعة والنقل ونائب رئيس مجلس الوزراء، خلال مداخلة في برنامج على مسئوليتي”، مؤكداً أن ثقة مجتمع رجال الأعمال في القيادة السياسية لم تهتز، بل ظلت متماسكة بفضل توجه الرئيس عبد الفتاح السيسي وإصراره على تنفيذ مشروعات تنموية ضخمة، لا سيما في قطاعات تعتبرها الدولة قاطرة للتقدم الاقتصادي، مثل الصناعة والتصنيع الغذائي، لافتاً إلى استمرار افتتاح المشاريع الجديدة في مختلف المحافظات. وشدد الوزير على أن حجم ما يتحقق على الأرض يتجاوز بكثير ما يُرى أو يُتداول عبر وسائل الإعلام، مضيفاً: ما زلتم لم تروا كل شيء بعد، والقادم سيكون أكبر وأهم بمشيئة الله”.
أما فيما يتعلق بآراء الإعلاميين والمراقبين الذين أعربوا عن تحفظاتهم بشأن فعالية المشروعات القومية، فقد أبدى الوزير موقفاً حاسماً، مؤكداً أن الرد الحقيقي لا يكون بالجدل عبر الشاشات، وإنما بما ينجز على أرض الواقع من مشروعات وتطويرات ستثبت صدق التوجه الرسمي وتشجع المستثمرين على ضخ المزيد من الاستثمارات في السوق المصرية.
ومع تصاعد الحديث حول نظام “الشباك الواحد”، الذي يُروج له كخطوة رئيسية نحو تسهيل الأعمال والقضاء على الروتين، أوضح الوزير أن هذا النظام بات فعلياً جزءاً محورياً من العملية الاستثمارية، حيث صار بإمكان المستثمرين عبر المنصة الرقمية الصناعية لمصر إنهاء معظم الإجراءات وحجز الأراضي إلكترونياً دون الحاجة للتعامل المباشر مع الموظفين، وذلك ضمن خطة الدولة للتحول الرقمي وتقليل الوقت والجهد المبذولين في التعاملات. وأضاف الوزير أن الحكومة تعمل باستمرار على تطوير تلك المنظومة والتغلب على التحديات التي تطرأ خلال التطبيق العملي.
وفي سياق متصل، كشف الوزير عن تدخل مباشر من الرئيس عبد الفتاح السيسي نفسه لحل الإشكالات التي حالفت مشروع ساويرس في منطقة الجونة، موضحاً أن الرئيس تابع الملف بصورة شخصية وأصدر توجيهات بحسم المشكلات بشكل عاجل، وهو ما أكد الوزير حدوثه بالفعل، معتبراً أن ذلك يأتي من حرص الدولة على دعم المستثمرين الوطنيين، خاصة من يساهمون في خلق فرص العمل وتعزيز الاقتصاد.
ورغم هذه الجهود، عبّر الوزير عن اندهاشه من انتقادات ساويرس تجاه نظام الشباك الواحد، مشيراً إلى أن جميع العراقيل التي واجهته قد تم تجاوزها بالفعل بمبادرة رئاسية مباشرة، ورأى أن مثل هذه التصريحات قد تعطي انطباعاً غير دقيق عن مناخ الاستثمار المصري، لا سيما في ظل علاقة يسودها الاحترام المتبادل بين الدولة والمستثمرين.
من جانبه، أوضح ساويرس في حوار إذاعي أن نظام الشباك الواحد لم يسر كما كان يتوقعه المستثمرون، بل اعتبره أحياناً سبباً في زيادة التعقيد بدلاً من تبسيط الإجراءات، وأشار إلى أن فترات الحصول على الموافقات قد تضاعفت بعد تطبيق النظام، معتبراً أن السبب الرئيسي هو محدودية صلاحيات الموظفين المسؤولين عن هذا الشباك مقارنة بصلاحياتهم المفترضة.
في ختام السجال، أكدت الحكومة أنها عازمة على تطوير بيئة الاستثمار في مصر، وأنها منفتحة على الملاحظات والشكاوى التي يطرحها المستثمرون، مشددة على أن منظومة الشباك الواحد ما زالت تحت التطوير وأن أي نظام حديث يحتاج إلى مرحلة انتقالية حتى تكتمل فاعليته. وشدد الوزير مرة أخرى على أن الدولة تلتزم بإزالة كل العقبات أمام القطاع الخاص، سعياً لتحقيق مرونة وكفاءة أكبر في بيئة الأعمال المصرية.