سيمون نصيف يكتب: «بين الدستور والشارع | مسؤوليات النائب بين التشريع والرقابة وخدمة الناخبين»

تُعد مهام عضو مجلس النواب من المهام الأكثر تعقيداً في كافة الأنظمة السياسية، فهي تتأرجح بين الإلتزام بصلاحيات دستورية محددة وبين الإستجابة لتوقعات وطموحات الناخبين في دوائرهم، إن إدراك هذا التوازن الدقيق أصبح شرطاً لازماً لمن يسعى للإنخراط في هذه التجربة، حتى يقوم بدوره التشريعي والرقابي ويكسب رضا الشارع وتقييم المواطنين له.

إن الدور التشريعي والرقابي يعتبر العمود الفقري للمنصب فالنص الدستوري واضح في تحديد المهام الأساسية للنائب، والتي لا تقتصر فقط على تمثيل دائرته، بل تمتد لتشمل تمثيل الدولة بأكملها، ويتركز دور عضو مجلس النواب في التالي:

أولاً صناعة القوانين: الوظيفة الأهم للنائب هي التشريع حيث يتولى النواب مسؤولية اقتراح القوانين، ومناقشتها في اللجان المتخصصة، وتعديلها، والموافقة عليها أو رفضها في الجلسات العامة بما ينقل نبض المواطن والشارع، فهذه القوانين هي التي تنظم حياة المواطنين في كافة المجالات، من الاقتصاد والصحة إلى الحقوق والحريات.

ثانياً الرقابة على الحكومة: يمارس النائب دوراً رقابياً أساسياً على أعمال السلطة التنفيذية (الحكومة)، هذا الدور يتم عبر آليات متعددة داخل المجلس كتوجيه الأسئلة والاستجوابات للوزراء، وتقديم طلبات الإحاطة لمناقشة قضايا عامة، وتشكيل لجان تقصي الحقائق، الهدف من هذه الرقابة هو ضمان ومتابعة تطبيق القوانين، ومحاسبة أي مسئول عن تقصير أو فساد، ما يضمن الشفافية والمساءلة.

في المقابل، غالباً ما يرى الناخبون في النائب “الفانوس السحري لحل مشاكلاتهم” أو “المسؤول المحلي الأقرب” الذي يمكنه التدخل لحل قضاياهم اليومية العامة والخاصة، هذه التوقعات غالباً ما تشمل طلبات التوظيف والوساطة فيظن الكثيرون أن النائب يمكنه توفير وظائف لأبناء دائرته أو التوسط لهم لدى المؤسسات الحكومية أو الخاصة، وأيضاً تقديم الخدمات المحلية فعادة ما يطلب الناخبون من النائب التدخل لحل مشكلات البنية التحتية، مثل صيانة الطرق، أو توفير خدمات أساسية في دوائرهم، وأضف إلى ذلك المساعدات الشخصية فقد يُطلب من النائب تقديم مساعدات مالية أو عينية بإعتباره جمعية خيرية للتكافل، وأخيراً طلبات التدخل لحل قضايا شخصية أو إدارية.

مما لا شك فيه، أن هذا التباين بين الدور الدستوري والتوقعات الشعبية يضع النائب في موقف حرج، فإذا استسلم النائب لضغوط الناخبين وركز جهوده على حل المشكلات الفردية لكسب ثقتهم ورضاهم، فإنه قد يضحي بمهامه التشريعية والرقابية، هذا السلوك قد يؤدي إلى مخاطر منها تفريط النائب في دوره الوطني فسيحتم عليه إهمال دوره في سن القوانين التي تفيد المجتمع والنظام السياسي ككل، وسيصبح محصوراً في دائرة اهتمامات ضيقة، وأيضاً خطر الفساد كالبحث عن مصالح شخصية أو فئوية واستغلال نفوذه بطرق غير مشروعة، مما يقوض مبادئ النزاهة والعدالة، إضافة إلى ذلك غياب الرؤية الشاملة فبدلًا من أن يطرح النائب حلولاً جذرية عبر التشريع وسن القوانين، يكتفي النائب بالحلول الفردية في دائرته التي لا تعالج أصل المشكلة، إنما تقوم بدور المسكنات والمهدئات للمشكلات العامة للدائرة.

ولتحقيق التوازن، يجب على النائب خاصة في فترة ترشحه أن يكون واقعياً صادقاً في عرض برنامجه مع ناخبيه، فيجب عليه توضيح أن دوره الحقيقي هو سن قوانين تعالج قضايا المجتمع بشكل شامل، ومراقبة الحكومة لضمان وصول الخدمات إلى الجميع بشكل عادل، فيمكن للنائب أن يكون حلقة وصل فعالة بين دائرته والمسؤولين التنفيذيين، لكن دوره الأساسي يظل في صياغة السياسات، لا في تقديم الخدمات المباشرة.

في وجهة نظري أن النجاح الحقيقي الذي أٌعده مكسباً سياسياً للأحزاب السياسية والمرشحين اليوم يكمن في قدرتهم على توجيه طموحات الناخبين نحو تحقيق المصلحة العامة، وجعلهم شركاء في عملية البناء التشريعي والرقابي، لا مجرد مستفيدين من الخدمات الشخصية للنائب، وهذه الثقافة لا بد أن تتبناها الأحزاب السياسية لما تتمتع به من قوة في الشارع وتواصل قوي مباشر مع المواطنين من خلال توعية المواطنين عبر ندواتها الثقافية والسياسية لخلق مواطن لديه القدرة على التمييز بين الأدوار المختلفة للنائب وأولوياتها لخدمة الوطن.

سيمون نصيف
باحث دكتوراة في السياسات العامة

التعليقات

أخبار ذات صلة

صفحتنا على فيسبوك

آخر التغريدات