بمناسبة الخناقة اللي دايرة على رئاسة جامعة الدول العربية .. رغم إن مصر ليست دولة عربية و المصريين ليسوا عرباً من الأساس ..

 

تعالوا أنا أحكي لكم حكاية أبو الهوية المصرية الخالصة .. أستاذنا العظيم التنويري الكبير / أحمد لطفي السيد .. أتاتورك مصر الذي رفض رئاسة مصر تحت حكم الضباط الأحرار .. و الذي تم التعتيم على سيرته الوطنية من مزيِّفي التاريخ لصالح “سعد زغلول” و “مصطفى كامل” ذوي الميول العثمانية الإسلاموية الرجعية ..!!

كثير من المصريين لا يعلمون شيئاً عن فيلسوف و مفكر مصر الاستثنائي د/ أحمد لطفي السيد .. الملقّب بأستاذ الجيل و أبو الليبرالية المصرية .. السياسي العلماني الأبرز في تاريخ مصر .. الذي دعا إلى القومية المصرية الخالصة .. و تحديد مفهوم الشخصية المصرية المستقلة ..

نادى بانتماء المصريين للهوية المصرية فقط .. و نادى باستعمال اللغة المصرية العامية كلغة رسمية

بدلاً من اللغة العربية الفصحى .. و دعا إلى عدم ربط مصر بالعالم العربي أو الإسلامي أو الخلافة العثمانية سياسياً ..

كان الوحيد بين زعماء جيله الذي ينادي بتحرر المرأة تحرراً حقيقياً .. تعليمها و خروجها للحياة

و نصرة قضاياها العامة .. و ليس ذلك التحرر الشكلي في القضايا الوطنية و الخروج للمظاهرات فقط ..

كان غالبية الزعماء الوطنيين حينها أمثال “سعد زغلول” ينادون بحقوق النساء فيم يخدم أهدافهم السياسية

و الذكورية فقط .. أما بخصوص حقوقهن الخاصة و قضاياهن النسوية فكانوا دائماً يغضون الطرف

ويؤجلون الحديث عنها .. مما دفع الكثيرات من القيادات النسوية للاستقالة من حزب الوفد و العمل

بشكل منفصل أمثال الرائدة “هدى شعراوي” .. التي صرّحت أن الزعماء الذكور يستفيدون من الحضور

النسائي بما يخدم أهدافهم السياسية فقط .. و لا يسمحون بمشاركة حقيقية للنساء إلا من خلف أزواجهم ..!!

خلال هذه الحقبة كان ذلك الرجل العظيم “أحمد لطفي السيد” مشغولاً بجمع التبرعات

لإنشاء أول جامعة مصرية أهلية عام ١٩٠٨م “جامعة القاهرة” الآن .. و طالب بتعليم الفتيات

حتى الجامعة .. و تخرجت في عهد رئاسته للجامعة أول دفعة طالبات من جامعة القاهرة عام ١٩٣٢م..

كان ليبرالياً حقيقياً .. ينادي بتمتع الفرد بأكبر قدر من الحرية مع غياب تشديد رقابة الدولة

على المجتمع .. كان رافضاً لإنشاء مدارس على أساس ديني .. كما كان ضد انشاء المدارس الأجنبية بمصر ..

طالب باستقلال جامعة القاهرة .. و قدم استقالته من رئاسة الجامعة مرتين .. الأولى حين تم إقصاء

عميد الأدب العربي د/طه حسين لآرائه التنويرية و كتاباته الصادمة للإسلاميين الأصوليين عام ١٩٣٢م .. و الثانية حين اقتحمت الشرطة حرم الجامعة عام ١٩٣٧ م ..

تولى عدة مناصب وحقائب وزارية .. وزير التربية و التعليم .. و وزيراً للدولة .. و وزيراً للداخلية .. و وزيراً للخارجية .. و عرض عليه الضباط الأحرار عام ١٩٥٢ منصب رئيس مصر و لكنه رفض ..!!

تخرج في كلية الحقوق و انضم إلى حركة وطنية سرّية تحت زعامة “مصطفى كامل” ذو الأفكار الإسلامية الأصولية الموالية للخلافة العثمانية .. كان هدفها طرد الاستعمار البريطاني من مصر مع احتفاظها بولائها الإسلامي للمحتل العثماني بمباركة الخديوي .. إلا أن “أحمد لطفي السيد” بعد بعثته إلى سويسرا و التقائه بالشيخ “محمد عبده” ..أول أزهري تنويري في القرن العشرين بعد “جمال الدين الأفغاني”.. اقتنع بآراء “محمد عبده” الإصلاحية التنويرية ..

بدأ بعدها يدعو إلى أن الاهتمام بالتعليم و الإصلاح المجتمعي و الثقافي له الأولوية عن الإصلاح السياسي

و أن الخلافة العثمانية و الاستعمار البريطاني يحب أن يُعاملا معاملة المحتل

و لا تفضيل للخلافة العثمانية لمجرد أنها خلافة إسلامية .. فهي أيضاً احتلال .. !!

ثم نادى بأن التعاون مع أحدهما ضد الآخر يجب أن يقوم على المنفعة الوطنية و ليس الانتماء الديني .. و لو كانت مصلحتنا مع الإنجليز فلا مانع من الاستعانة بالانجليز ضد العثمانيين .. مما أغضب الخديوي عليه ..!!

رغم ذلك تصدّى لغالبية الصحف المصرية و النخب الدينية التي ساندت الخلافة العثمانية في معركتها

على خليج العقبة مع بريطانيا .. إذ زعمت الخلافة العثمانية المحتلة أنه لا حدود لمصر و أنها مجرد ولاية عثمانية

لا تفصلها حدود عن باقي الولايات العثمانية .. بينما أكدت بريطانيا وقوع “خليج العقبة” داخل الحدود المصرية السياسية و الإدارية جغرافياً .. مما دفع رائدنا العظيم لانشاء حزب سياسي يضم كبار الشخصيات لمعارضة

الأتراك و التفكير في مصلحة مصر فقط .. و الانحياز للطرف الذي يخدم مصالحنا الوطنية في هذه القضية و هي بريطانيا .. !!

كان يقول علانيةً “يجب على المصريين أن لا يجعلوا الدين بأي حال من الأحوال أساس عملهم

وولائهم السياسي .. و أن يتخلوا عن التعصب الديني الذي يعطي للمحتل ذريعة للبقاء فيها ..

و أن يكون ولائهم لمصريتهم فقط “.. مما أثار ضده حروب الدهماء و الهمج و الرعاع .. و تسببوا

في عدم فوزه في الانتخابات في دائرته بسبب إطلاق الإشاعات عنه أنه ليبرالي و أن الليبرالية هي الخروج من الدين و الدعوة للانحلال ..!!

و بعد كل هذا المجد التليد .. يتنازع أحفادك يا أستاذنا على رئاسة جامعة الدول العربية مع العرب الأصليين .. لم يدركوا بعد أن هويتهم المستقلة كمصريين كفيلة بقيادتهم للماضي و الحاضر .. دون أن يتمسَّحوا في هويات المحتلين .. و لكنهم لا يعقلون !!

و ختاماً .. أترككم مع هذه المقطوعة الأدبية الموسيقية “مجازاً” .. من مذكرات أستاذ الجيل أتاتورك مصر الذي رفض رئاسة مصر :

“نشأت في أسرة مصرية صميمة .. لا تعرف لها إلا الوطن المصري .. ولا تعتز إلا بالهوية المصرية 

ولا تنتمي إلا لمصر .. ذلك البلد الطيب الذي نشأ التمدن فيه منذ أقدم العصور

وله من الثروة الطبيعية والشرف القديم ما يكفل له الرقي والمجد “.

 

 

التعليقات

أخبار ذات صلة

صفحتنا على فيسبوك

آخر التغريدات